٧/١١/٢٠٥
ميخائيل عوض
١
الطوفان العجائبية أنجزتها غزة بقرار واعٍ محترف، وناضجة ظروفه، والحاجات له كانت ماسة وإن لم يلاحظها كثيراً من المعنيين ومن الذين أهلُّوا الشروط والظروف التاريخية.
فعلتها غزة بجرأة وبذات العزيمة تحملت الكلفة الباهظة من ناسها وعمرانها، وظلت تقاتل وقررت الموت جوعاً أو قصفاً ولن ترفع رايةً بيضاء.
انتصرت غزة برغم التضحيات، كشأن كل الشعوب في حروبها للتحرير والسيادة.
٢
صغار العقول المسجونة في الماضي والعاجزة عن التفكير من خارج الصندوق، والتي طالما تجنَّت واستهترت بالعقل العربي والإسلامي، وجانبت الحقائق وتجاهلت الواقع، وتطاولت على تضحيات الأمة ومقاومتها المستدامة لقرن ونيف، عجزوا عن فهم الطوفان وكثيراً صُعقوا و/أو تفاجؤوا.
فكأن رميات الله وأحكام الجغرافية والأزمنة كانت تخبرهم بموعدها.
فغالبية من عجزوا عن الفهم ذهبوا للتطاول على الطوفان ومن أعدَّها بحكمة واقتدار، وهللوا لما افترضوه انتصارات لإسرائيل وأمريكا، وتوهموا أنَّ الأمة المقاوِمة لقرن قد هزمت.
٣
الواقع أقوى وأصدق إنباءً من الأفكار والأوهام والتخرصات.
فزمن الطوفان هو زمن "العالم قرية كونية".
ولحظتها هي لحظة التحولات الفرط استراتيجية وما أعلى منها، فجيل زد بات على عمر التمكن والإدارة والحُكم.
وبوابات العصر الإنساني الجديد "بكل يدٍ مضرجةٍ يُدَّق"
عجز العالم القديم عن تسريح النظام الانكلو سكسوني، وإحالته إلى مزابل التاريخ بقبره.
فجالت الحروب والمجاعات والتجويع والإبادات السافرة وصالت الحروب في مسارح وفروع، ولم يولد العالم الجديد فقد كان ينتظر حوامله وقواه التاريخية.
٤
غزة وحدها من ساحل الشام، وفي أمة المليارين عَرفت بحدسها أن الزمن بات طوعها، فشقَّت عصا التاريخ ولَوت عنقه، وقررت أن تطرُق الأبواب بقبضة صلبة، برغم الجوع والدم والحصار والتآمر.
٥
غزة طرقت بقبضتها على بوابات العالم الجديد المستعصية ولادته فلباها الزمن والتاريخ، لتطلق الأممية الثورية الشابة والمناضلة، وأيقظت الضمائر، فتحولت بطوفانها إلى طوفان عالمي يتحفز ليغرق القديم، ويأخذه إلى مزابل التاريخ.
قضيتها، صبرها، تضحياتها، انتصارها، وفرَّت الشروط المادية والذاتية، ليبلغ طوفانها مدينة العالم وعاصمة العالمية ومنصات اغتصابها بأمركتها تحت مسمى العولمة بما هي أمركة.
٦
عاصمة العالمية بطبائعها وتكوينها بمجتمعها وطبائعها استجابت لنداء غزة، فطافت حشودها وأنتجت ظاهرة عجائبية كما طوفان غزة وأصبح ممداني بصفاته العولمية حاكمها، وحاكم نيويورك هو المنصب الثاني بعد الرئيس.
لأنها نيويورك مدينة معولمة وعالمية؛ فناتجها القائم يربو عن ٢،٣ ترليون دولار، أي يفوق نتاج الأمة بدولها ونفطها وغازها وثرواتها وشبابها، وهي عاشر اقتصاد عالمي وموازنتها ١١٥ مليار دولار تزيد ٦ مرات عن موازنة سورية أيام رخائها، ودولتها الاجتماعية وعدد سكانها المقيمين ثلاثة أضعاف عدد لبنان، و5 اضعاف عدد سكان غزة، شاغلاً الكون وزهراته، وفيها يتجسد بوضوح قاطع توحش النظام الانكلوسكسوني أحياء لأغنى أغنياء العالم وأحياء للفقراء المعدمين.
٧
ممداني شاب، ومقترن بجيل زد، يفاخر بزواجه من شامية طليعة جيل زد، ويتحدث العربية، ويتبنى بجرأة قضية غزة. وأعلن أنه سيعتقل نتنياهو المحكوم من الجنائية الدولة بتهمة الإبادة الجماعية والإنسانية.
لا، لم يكن ليصل الطوفان إلى عاصمة العالمية، ولا كنا سمعنا بممداني، ولا تلمسنا دور جيل زد، لولا طوفان غزة. والمنطقي أن تكون غزة واسمةً للطوفان العالمي الآتي قريباً كما بصماتها في نيويورك.
فترقبوا ولا تتفاجؤوا بـ (متى و كيف وأين) سيضرب الطوفان، وأبواب باريس ولندن وبرلين تتأهل لتفتح على مصاريعها، فقد دق أبواب هولندا وفتحت له، وعلى جدول أعماله الباقيات.
هكذا يعود التاريخ ليمنح غزة مفتاح الشرق وبوابة الشام مهمة أحد زوايا ذهبية لمثلث صناعة مستقبل الإنسانية، وإطلاق صفارة نهاية زمن الانجلو سكسونية.
للاشتراك بقناة مع ميخائيل عوض على الرابط:
https://youtube.com/@maikawad1800?si=DYvUb4ioW26uSIZf